كالعادة ايقظتني نفسي بعد رحلة نوم قصيرة .. لأصحو على صوت الأشجار الذائبة في نسيم الصباح .. وكأنها تعزف لي ان ها قد حان وقت الذهاب .. لملمت نفسي منتشلاً إياها عن السرير ..
في محاولة مني لإيقاظها رغماً عنها ..
بعد حين .. توجهت نحو خزانتي المحاذية لجسدي المتهالك .. لأتناولـ منها ما تحمله لي من ملابس قابعة هناك دون جسدي وحيدة .. ايقظتها بارتدائي لها معلنا بداية يوم جديد ..
لأمتطي لحظات الوقت متجهاً بها نحو المجمع المعهود .. حاملاً معيَ زاد الإنتظار .. وعلى جنبي سلاح الصراع لأجابه به عدوي المنشود المسمى .. بأزمة لا مناص منها ..
انتهت معركة العادة لتنتهي بصعودي على متن إحدى سفن المتكاملة .. قارعة صفارة الرحيل لتبحر في وسط الصحراء نحو جزيرة الجامعة ..
الطريق كما هي كما تركتها في الأمس .. الوجوه واجمة صامتة تروي الحكايات .. لحظات تمر .. ترقب وإنتظار .. لتنزلـ بعد هذا الإنتظار مرساة الوصولـ على الشاطئ المحاذي للجامعة ..
نزلـ الركاب .. نزلت خلفهم .. لأرى جامعة قد أعتدت على رؤيتها .. نفس الثوب القديم .. نفس رائحة العطر .. نفس الأحضان ..
توجهت كالعادة نحو كفيتيريا الهندسة لأتناولـ قسطاً من الراحة قبل محاضرة التاسعة والنصف التي لم ازرها منذ اسابيع فقد اعتادني الغياب رفيقاً له .. فلا غياب ولا قانون يسائل اين انتم ايها المهملون .. شربت كوزاً من النسكافيه المعتق بآلات بالية متأملا وجوه من حولي .. هذا نائم هناك وتلك تعشق ذاك .. وهؤلاء يتصارعون في حل مسائل امتحانية .. هكذا هي الحياة الجامعية .. روتين صباحي ممل ..
هممت متوجهاً نحو المحاضرة لإجد نفسي وحيداً هناك فلا احد غيري احسست بالحيرة هل اعاني من داء القدوم المبكر الذي يتصف به النيردات ام اني اخطأت العنوان فمر زمن على زيارتي لتلك المحاضرة .. وضعت حقيبتي وتوجهت مكزدراً كزدورة في ممرات الهندسة مستمعاً لجارة القمر فيروز
.. عدت بعد فترة بسيطة لإجد القاعة امتلأت عن بكرة ابيها .. احسست بالخوف من اين اتى هؤلاء؟!
قدم الدكتور كالعادة وهو يبتسم ابتسامة الملل متأملاً وجوهاً قد اكتساها النعاس قائلاً لنا بنبرة يعتريها الخبث ” طولوا ورئة في كويز ” .. حينها ابتسمت هل هو القدر الذي ساقني من بعد غياب
لأتجنب خسارة عشر علامات مهمة ام انه حظي القتيل .. كتبت ما كتبت دون علمي بما قد وضعت
ليفاجأنا الدكتور بقوله لنا بعد جمع الأوراق ” شباب كل واحد حدر الكويز إله عشر علامات وراحت ع الي كتب ” .. انتهت المحاضرة بعد عناء لإخرج من حيث دخلت مع الأصدقاء ..
ساعتان اثنتان فارغتان لا محاضرة تملؤهما .. ماذا افعل ؟! .. تذكرت انه هناك تقرير ينتظرني لم اكتبه البارحة .. فقد تركته لهذه اللحظة لأملأ به فراغاً ممل .. اخذت اكتبه ببطئ لأقتل لحظات الوقت
مخططاً اياه بيداي المفرغتين .. لتأتيني احدى رفيقات الدفعة المسلحة قائلة لي ” ممئن أنئل الريبورت” .. قلت لها بنبرة المتفاجئ ” اها تفدلي انئلي الريبورت ” ..
مضى الوقت ودقت الساعة معلنة عن وصولها للقمة 12 ظهراً توجهت للكفتيريا لأتناولـ ما يسد جوع كرشي الحزين فقد خرجت دون ان اطعمه .. لأطلب له سكالوب مع مشروب غازي بارد كأيامنا هذه .. وتذكرت ايام الزيت والزعتر وقلت ” الله يرحم والله وكبرت وصرت تطلب سكالوب وزنئر يا ثائر ” ..
انتهيت من إطعام طفلي العزيز وتوجهت مسرعاً نحو محاضرة الزناخة والملل الأكبرين .. مع دكتور المشكلات ” رحمة الله تفشق عنه ” ..
دخلت إلى المبنى الغربي متوجهاً نحو المحاضرة ناظراً إلى المصعد هل اصعد فيه ام لا .. مع ان محاضرتي في الطابق الثالث إلا إن متعة صعود المصعد لا تعوض فرغم قصر المسافة إلا انها متعة بالنسبة لي .. فهي فرصة لتفريغ بعض منسوب النغاشة لدي .. صعدت المصعد مع ما يقارب سبعة فتيات وانا الشاب الوحيد .. كلهم ينظرون إلي نظرة استهجان واسمع عقولهم تصرخ وتقول ” يي شو وئح شو تلعه معنا هاد ” .. ابتسمت ابتسامة ماكرة وقلت بصوت مسموع ” يا رب يعلق الأصانصير ” ضحكت الفتيات وقلن لي ” فال الله ولا فالك ليه بتحكي هيك ” .. قلت لهن ” حد بيصحله يعلق مع هالحلوين وبيحكي لاء ” استمر الضحك إلا ان وصلنا .. خرجت الفتايات وبقيت آخر الخارجين ممتثلاً بالحكمة التي تقول ” ليدز فيرست ” .. وعند خروج آخر فتاة قامت بإغلاق المصعد علي وقالت ” مش بدك يعلئ يالله خلي يعلئ فيه لحالك ” ..
وصلت إلى المحاضرة لإجد الأصدقاء يقفون على الباب منتظرين قدوم الدكتور من الأفق البعيد .. ممتعضين من هذا التنقل اليومي .. مستغربين من ان طلاب الهندسة يأخذون محاضرة هندسية بغير كليتهم .. دخلت المحاضرة ليفاجئني احدهم بالقولـ “هيو وصل الزعيم ” ابتسمت لم اعرف بماذا اجيب فهل بقي في هذه الدنيا زعامات صدقوني لم تبقى إلا اشلاء زعامات .. دخلوا من كانوا يقفون على الباب معلنين عن وصولـ الحاج الدكتور .. ابتدأت معركة الساعة ونصف وبدأت وكأنها ايام طوالـ .. تعبت البروجيكتر وتعبنا وتعب كل شيء إلا الدكتور فما زالـ يتكلم .. كانت نفسي تصرخ من الداخل وتقولـ ” ولك منشان الله خلصنا فكعت مرارتي ” .. سألـ المدعو بالدكتور سؤالـ لا ادري من اي جعبة من جعب الحكايا هو !! لأرفع يدي هكذا واقول له ” دكتور الآدان عم بتأدن ” لينظر إلي بنظرة الحاقدين ويقولـ لي ” شو رايك تزم غراظك وتطلع ” ..
خرجت دون اي تردد وأخيرا قد حان وقت الخروج من ذاك السجن المقيت .. لم تكن فرحة كاملة فوقت المحاضرة قد تبدد تماماً .. توجهت عائدا بسرعة الخيل نحو مبنى الهندسة لألحق بلاب المشاغل الهندسية .. دخلت هناك كان عندنا اليوم مشغل سباكة المعادن .. ارتديت ردائي الأبيض وتوجهت نحو المهندس قائلاً له ” مهندسنا العظيم وشو ودنا نسبك اليوم انا جاي ودمي حامي ” .. نظر الي وقال سنسكب اللبن .. دخلنا في خضم المحاضرة وكانت الرمالـ فيها تغطي العيون فقد صنعنا قوالب رملية وسبائك نحاسية وامور لم تحلم جدتي بإقتنائها .. لأصنع انا ورفيقي بالجروب سبيكة لم نجد لها اسما تشبه كل شيء إلا ما طلب منا .. ضحكنا طويلا فما هذا الذي فعلناه .. اجزم انها ستبقى هناك طيلة الأعوام القادمة عبرة لمن بعدنا .. انتهى وقت المحاضر .. نزعنا عنا دروع المعارك .. وتوجهنا سراعاً نحو قوافل الرحيل ..
لتنتهي رحلتي هناك كما بدأت .. لتشدني نحو الرحيل .. بحبالـ الإنهاك والتعب .. قـاطعاً تذكرة الإياب .. لأعود كما ذهبت على متن إحدى سفن الرحيل ..
يوم الأربعاء 24/11/2010